Working for Recovery Reconstruction & Development in Syria

Home  »   Print Page

الأولويات الاقتصادية والاجتماعية في إعادة إعمار سورية وفرص لبنان فيها

 

الأولويات الاقتصادية والاجتماعية في إعادة إعمار سورية وفرص لبنان فيها[*]

الدكتور نبيل سكر[†]

مقدمة

تتشكل عملية إعادة بناء سورية في مرحلتين، الأولى هي مرحلة التعافي المبكر التي قد تمتد إلى خمس سنوات وتتلازم مع عملية إرساء السلام peace building، والثانية هي مرحلة إعادة الإعمار والتنمية التي تتلازم مع عملية بناء الدولة state building، وهي مرحلة لا حدود زمنية لها حيث أنها تشمل إعادة بناء ما تهدم خلال الأزمة، كما تشمل استمرار عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية. ولا شك أن مكونات ونوعية المرحلتين والنجاح فيهما سيعتمد بشكل أساسي على عودة الأمن والاستقرار من جهة، وعلى نوعية الحكم الجديد من جهة ثانية، وعلى توفر التمويل الخارجي من جهة ثالثة نظراً لتدني الموارد المحلية خلال الأزمة.
 
  • أولويات مرحلة التعافي المبكر
تعتبر مرحلة التعافي المبكر غاية في الأهمية، لأنها المرحلة التي تنقل البلاد من الحرب إلى السلم، والمرحلة التي ترسي الأرضية اللازمة لعملية إعادة الإعمار اللاحقة، وإذا تعثرت هذه المرحلة لأسباب سياسية أو اقتصادية أو كلاهما، فستطول محنة سورية وستتأخر عملية إعمارها.
تتضمن مرحلة التعافي المبكر شق سياسي وشق اجتماعي وآخر اقتصادي. ويشمل الشق السياسي العمل على وقف العنف في كافة أنحاء البلاد وإقامة مؤسسات الحكم الجديد، ويشمل الشق الاجتماعي أعمال الإغاثة واستيعاب اللاجئين وإسكانهم وإجراء المصالحات الوطنية، ويشمل الشق الاقتصادي ترميم المرافق العامة الأساسية (تاركين إعادة إعمارها للمرحلة التالية) وتحريك عجلة الاقتصاد وإعادة التوازن للإطار الاقتصادي الكلي وتفكيك مؤسسات اقتصاد الحرب في المناطق التي كانت خارج سيطرة الدولة كما ضمن سيطرتها. وتتداخل المكونات السياسية والاجتماعية والاقتصادية أعلاه بشكل كبير، وتعتمد النجاحات في أي منها على النجاح في النشاطات الأخرى.
وتتضمن عملية تحريك عجلة الاقتصاد تحفيز الطلب الداخلي لخلق فرص العمالة واستيعاب المحاربين السوريين وتشجيع التصدير لتوليد القطع الأجنبي، وتوفير مستلزمات الإنتاج للقطاعين الصناعي والزراعي والسعي لاستعادة رأس المال المادي والبشري الذي غادر خلال الأزمة. وعلى كل من القطاع الخاص والقطاع المصرفي لعب دور كبير لتحريك عجلة الاقتصاد في هذه المرحلة بالذات، وكلما لعب هذان القطاعان دوراً أكبر كلما سهلا للدولة توفير المال والالتفاف إلى الشق الاجتماعي وأعمال الإغاثة والإسكان، وقللا بالتالي من عجز ماليتها العامة واضطرارها للجوء إلى المديونية الداخلية والخارجية.
لكن القطاعين يحتاجا للإصلاح والتطوير مع بداية عملية التعافي المبكر كي يلعبا الدور المطلوب منهما بشكل فعال رغم انطلاقهما الهام ضمن عملية الإصلاح الاقتصادي في سنوات ما قبل الأزمة. فسورية دخلت هذه الأزمة قبل أن تستكمل عملية الانتقال إلى اقتصاد السوق وإقامة مؤسساته، وقبل أن تستكمل إدخال التعديلات الهيكلية اللازمة في القطاعات الإنتاجية والخدمية والتي كانت قيد التخطيط والتنفيذ. كما ينبغي العمل بداية على الاستمرار بتحسين بيئة الاستثمار والأعمال لدعم القطاع الخاص والقطاع المصرفي وللمساعدة على عودة رؤوس الأموال السورية التي غادرت خلال الأزمة ورؤوس الأموال السورية التي كانت قد اغتربت قبل ذلك.
 
  • أولويات مرحلة إعادة الإعمار
تتداخل مرحلة إعادة الإعمار مع مرحلة التعافي المبكر في سنواتها الأخيرة، وستزداد عملية الإعمار زخماً كلما عاد الاستقرار والأمن إلى البلاد ونجحت عملية التعافي وتوفر الدعم المالي الخارجي. وستشمل هذه العملية بالأساس إعادة بناء ما تهدم من بنى تحتية وبنى إنتاجية وخدمية وتطوير هذه البنى. ولكن يجب أن تكون هذه العملية عملية إعمار وكذلك عملية تنمية، تشمل تقوية الطاقات الإنتاجية المستدامة في قطاعي الصناعة والزراعة بشكل خاص وتقليص الاعتماد على القطاع النفطي الريعي، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة مناطقياً والارتقاء التكنولوجي والبشري والاندماج في المحيط الاقتصادي العربي ثم العالمي.
لكن مرحلة إعادة الإعمار هي أيضاً مرحلة بناء الدولة، ويجب أن تتضمن عملية تغيير سياسي واجتماعي واقتصادي شامل مبني على عقد اجتماعي جديد. ولكن تحقيق ذلك سيعتمد إلى حد كبير على نوعية الهيكلية السياسية الجديدة السياسي الجديد ومدى استعدادها كما قدرتها على الاستجابة للأسباب الحقيقية للأزمة ومدى رغبتها في أن تكون هذه المرحلة مرحلة تغيير شامل وعميق وليس مجرد إعادة إعمار ونمو اقتصادي.
 
  • معايير وأولويات المشاريع الاقتصادية والاجتماعية بعد الأزمة
تتطلب عملية إعادة الإعمار والبناء إعطاء الأولوية في المرحلة الأولى للمشاريع التي تدعم الأمن والاستقرار والمصالحات الوطنية وإن لم تكن هي المشاريع الأجدى اقتصادياً. ويتفرع عن هذا الهدف المشاريع التي تدعم وتشمل: 1) استيعاب اللاجئين والنازحين وإسكانهم، 2) إدماج المقاتلين السورين في الاقتصاد والمجتمع، 3) توليد كل من العمالة والقطع الأجنبي، 4) خلق فرص العمل للشباب، 5) استعادة اللحمة الاقتصادية للبلاد، 6) تفعيل التنمية المحلية وتعزيز التوازن الاقتصادي المناطقي، و7) وتنمية القدرات البشرية  والإدارية في القطاعين العام والخاص.
 
أما القطاعات الاقتصادية التي يجب أن تعطى الأولوية سواء في المرحلة الأولى أو التي ستليها فهي: 1) السكن والإسكان وإعادة بناء المدن، 2) الصناعة والزراعة، 3) النقل والمواصلات، 4) المال والمصارف، 5) المعلوماتية والاقتصاد المعرفي، 6) الطاقة المتجددة، و7) والتنمية البشرية، وهي كلها قطاعات ذات أولوية وبنفس المقدار من الأهمية. وقد أجلنا قطاع السياحة، الذي سيشمل إلى حد كبير سياحة الأعمال والمؤتمرات، إلى المرحلة الثانية، وسيستفيد هذا القطاع سواء لجهة الاستثمار أو التشغيل من الانخفاض الكبير في سعر صرف الليرة السورية.  
 
وبالنسبة لقطاع السكن وإعادة بناء المدن الذي أشرنا إليه أعلاه، يأتي ترميم وإعادة بناء المدن والبيوت المهدمة وبناء السكن الرخيص affordable housing لاستيعاب النازحين واللاجئين في الأولوية، ويأتي بعده إعادة تأهيل المناطق العشوائية التي كانت تضم حوالي ثلث سكان سورية ولكن تم هدم بعضها خلال الأزمة وظهرت مناطق جديدة خلالها وستظهر مناطق جديدة أخرى بعد عودة اللاجئين إذا لم تبنى المساكن المؤقتة والدائمة لهم بالسرعة الفائقة وبدءاً من الآن.
 
وفي قطاع الصناعة يأتي في الأولوية ترميم وإعادة بناء المصانع المدمرة وتشجيع الصناعات كثيفة العمالة وكل من الصناعات التي تعزز حلقات الترابط الصناعي والصناعات التي تدعم الزراعة وتعتمد عليها الصناعات اللازمة لإعادة الإعمار. وللتحديد فالصناعات ذات الأولية هي الصناعات التقليدية النسيجية والغذائية والدوائية وصناعات مواد البناء، وصناعات أدوات الري الحديث والمكننة الزراعية، يضاف إليها إقامة المناطق والمدن الصناعية وحاضنات العمال والتكنولوجيا الرقمية. ويجب أن تؤجل الصناعات الرأسمالية والتكنولوجية اللازمة لتطوير قطاع الصناعة ولإدماجه في حلقات الاقتصاد العالمي إلى ما بعد انطلاق الصناعات أعلاه. ومن المتوقع أن تعطي الحكومة في المراحل الأولى حماية محدودة المدة للصناعات التي دمرت والصناعات ذات الأولوية القائمة منها والجديدة.
 
أما بالنسبة لقطاع النقل فالأولوية فيه للمشاريع الطرقية الرئيسية والفرعية التي تساعد على إعادة توحيد الاقتصاد وربط الأسواق والمشاريع التي تهيئ لعملية إعادة الإعمار ثم المشاريع التي تعزز تجارة الترانزيت. ومن المشاريع هذه توسيع مرفأي طرطوس واللاذقية الذي يجب أن يبدأ خلال مرحلة التعافي المبكر استعداداًَ لمرحلة إعادة الإعمار، ثم مشروعي طريق شمال– جنوب الذي يربط سورية مع تركيا شمالاً والأردن جنوباً، وطريق غرب– شرق الذي يربط مرفأي طرطوس واللاذقية غرباً مع الحدود العراقية شرقاً، فضلاً عن مشاريع السكك الحديدية المعدة من قبل وزارة المواصلات.
 
وفي القطاع المصرفي تأتي الأولية لتنويع المؤسسات والمنتجات المصرفية وإقامة المؤسسات المالية غير المصرفية التي تقدم التمويل طويل الأجل خلال مرحلة التعافي المبكر. ومن ذلك إقامة البنوك الاستثمارية وشركات التمويل التأجيري والتمويل العقاري، وإقامة صناديق الاستثمار المتخصصة فضلاً عن مؤسسات التمويل الصغير ورفع رؤوس أموال المصارف التجارية القائمة وتطوير أعمالها. وهناك قوانين صدرت للسماح بإقامة كل من المؤسسات أعلاه ورفع رؤوس أموال المصارف القائمة ولكنها لم تفعل بعد.  
 
  • فرص لبنان في بناء سورية الجديدة
لاشك أن عودة الأمن والاستقرار إلى سورية سيعيد إلى لبنان عافيته الاقتصادية على كافة الأصعدة وخاصة بالنسبة لقطاعات السياحة والتجارة، وستعود معدلات النمو في لبنان للارتفاع إلى المعدلات التي تحققت ما قبل الأزمة والتي بلغت حوالي 7% بالسنة. لا بل عمليتي التعافي المبكر وإعادة الإعمار في سورية ستعود بالنفع الاقتصادي الكبير على لبنان مما قد يدفع بنموه إلى معدلات أعلى مما سبق، حيث من المتوقع أن يستعيد لبنان دوره كهونغ كونغ سورية لعشر سنوات قادمة أو أكثر، ومن المتوقع أن تعوض الفائدة الاقتصادية المتوقعة للبنان ما تحمله من معاناة اقتصادية خلال الأزمة.
 
أما الفرص للبنان فهي كثيرة بالنسبة لكل من القطاع العام والخاص، نذكر منها على سيبل المثال لا الحصر:
  • استفادة مرفأي بيروت وطرابلس من التجارة السورية الجديدة ومن التجارة اللبنانية الناتجة عن النشاط اللبناني الجديد الموجه لسورية. ويتوقع أن تشكل منطقتي بيروت وطرابلس منصتين هامتين لإعادة إعمار سورية.
  • الفرص الجديدة لأعمال الهندسة والمقاولات والبناء في مجالات البنى التحتية والسكن والقطاعات الإنتاجية والخدمية الأخرى.
  • ازدهار نشاط القطاع المصرفي اللبناني لدعم فرص الأعمال اللبنانية الجديدة في سورية.
  • توسع الفرص للقطاع المصرفي والمالي غير المصرفي اللبناني المساهم في المصارف التجارية السورية، وبروز الفرص للدخول في مؤسسات التمويل العقاري والتأجير التمويلي والاستثماري المتوقع إقامتها كما في مجال الوساطة المالية.
  • الفرص المتاحة للعمالة اللبنانية المدربة في كافة القطاعات الاقتصادية السورية، خاصة نظراً للنزوح البشري السوري الكبير الذي تم ولا زال يتم بسبب الأزمة.
  • الفرص أمام رجال الأعمال اللبنانيين لمشاركة رجال أعمال سوريين محليين كما في المغترب ومشاركتهم لشركات عربية وأجنبية ستأتي للعمل في سورية.
 
  • القوانين والأنظمة السورية المساعدة للنشاط اللبناني في سورية
تمت خلال العشرين سنة التي سبقت الأزمة تحولات عميقة في سورية باتجاه اقتصاد السوق، وتبنت الدولة في العام 2005 رسمياً مبدأ اقتصاد السوق الاجتماعي وصدرت قوانين وقرارات وعقدت اتفاقيات خلال هذه السنوات لتعزز اقتصاد السوق، كما تم تفكيك الكثير من مؤسسات النظام الاشتراكي القديم، ولم تعد سورية دولة اشتراكية مثلما كانت في الستينات والسبعينات والثمانينات.
 
فالنسبة للتجارة تعتبر الأسواق السورية الآن مفتوحة للمنتجات اللبنانية ومعفاة من الرسوم الجمركية بموجب أحكام اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين الموقعة في العام 1998  والتي دخلت حيز التطبيق الكامل في العام 2004، وبموجب أحكام اتفاقية منطقة التجارة العربية الكبرى الموقعة في العام 1998 والتي دخلت حيز التطبيق في العام 2005.
 
وبالنسبة للاستثمار العربي والأجنبي في سورية، فهو متاح في القطاع الصناعي والزراعي والنقل بموجب قانون الاستثمار رقم 7 لعام 2008 (الذي حل محل قانون الاستثمار رقم 10 لعام 1991)، ومفتوح في القطاع السياحي بموجب القرار رقم 186 الصادر عن المجلس الأعلى للسياحة في العام 1985. وتجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد سقف على حجم الملكية غير السورية في المشاريع العائدة لهذه القطاعات وقد أعطى المشرّع حوافز للاستثمار فيها. كذلك فالاستثمار العربي والأجنبي متاح في القطاعين التعليمي والصحي دون سقوف للملكية غير السورية فيهما ومن دون حوافز خاصة للاستثمار في أي منهما.
 
أما بالنسبة للقطاع المصرفي فالباب مفتوح للمشاركة العربية والأجنبية منه، ضمن سقف حده القانون بنسبة 60% من كامل رأس المال. وفي مشاريع السكن والتطوير العقاري فالقانون رقم 15 لعام 2007، صدر أصلاً لدعوة القطاع الخاص للمساهمة في هذه المشاريع ولكنه وضع سقفاً للملكية غير السورية فيها حددها بـ49% من كامل رأس المال، ودون أن يمنح حوافزاً ضريبية فيها.
 
وبالنسبة لشركات الهندسة والمقاولات اللبنانية التي ترغب بالعمل في سورية من خلال شركاتها في لبنان، فالقانون يطلب من هذه الشركات إقامة مكتب تمثيل لها في سورية، ونظم القانون رقم 34 لعام 2008 عملية تسجيل فروع ومكاتب ووكالات الشركات والهيئات العربية والأجنبية الراغبة بالعمل في سورية.
ثم هناك قانون التشاركية بين القطاعين العام والخاص، القانون رقم 6 لعام 2016، الذي نظم هذه التشاركية في مشاريع المرافق العامة والبنى التحتية من مواصلات واتصالات وكهرباء ومياه وصرف صحي، كما في المشاريع الصناعية والسياحية والخدمية، مستثنياُ قطاع النفط والغاز. وقد رشحت وزارات النقل والكهرباء والصناعة والسياحة السورية العديد من المشاريع لشميلها ضمن هذا القانون، علماً أن على سورية الكثير من الاستعداد لتطبيق التشاركية، مثل رفع سوية القطاع العام الإداري المشرف على التشاركية وسوية كل من القطاع الخاص الاقتصادي والقطاع المصرفي وإصلاح القضاء.
 
وأخيراً قد يكون من المفيد أن يغتنم البلدين الفرصة الجديدة التي ستفتح أمامهما للسعي للتكامل الاقتصادي بينهما وهو ما كان غير مرغوب فيه لبنانياً خلال الحقبة الاشتراكية السورية، لكنه لم يعد عائقاً الآن بعدما تلاقت الهوية الاقتصادية للبلدين منذ الانفتاح الاقتصادي الذي تم في سورية منذ مطلع التسعينات.
 

 

الدكتور نبيل سكر

nsukkar@scbdi.com

 

[*] بنيت هذه المقالة على ورقة مختصرة تم تقديمها في منتدى "فرص لبنان في إعادة إعمار سورية الجديدة" الذي أقيم في مركز البيال في بيروت بتاريخ 31/5/2016، والمنظّم من قبل الشركة الدولية للمعارض والمؤتمرات.

 

[†] المدير التنفيذي للمكتب الاستشاري السوري للتنمية والاستثمار بدمشق واقتصادي سابق في البنك الدولي في واشنطن.